تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
image الفتحاوي تكتب: الحكومة تخرق الدستور و"تتغيب عن مقترحات القوانين" في اللجان الدائمة
A | A+ | A- |

الفتحاوي تكتب: الحكومة تخرق الدستور و"تتغيب عن مقترحات القوانين" في اللجان الدائمة

تمثل الوظيفة التشريعية الاختصاص الأصلي للبرلماني، في الوقت الذي نسجل فيه ضعف تعاطي الحكومة مع مقترحات القوانين التي تتقدم بها الفرق والمجموعة النيابية، الأمر الذي يتجدد على الدوام؛ خصوصا من طرف نواب المعارضة، حيث ظلت عدد من المبادرات التشريعية حبيسة الإهمال لسنوات فيما يصطلح عليه بـ "ثلاجة المجلس"، في انتظار أن تحدد الحكومة موقفا بشأنها قبولا أو رفضا.

 لذلك، طالبت المعارضة مكتب مجلس النواب بتفعيل الحقوق المخولة لها في الدستور والنظام الداخلي للمجلس. حيث أن الفصل 10 من الدستور يضمن للمعارضة المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان. 

وترى الفرق والمجموعة النيابية بان الحكومة تخالف الدستور بسبب عدم تفاعلها مع مقترحات القوانين التي تتقدم بها، كما احتجت مرارا على عدم حضور الوزراء لاجتماعات اللجان الدائمة لمناقشة مقترحات القوانين التي تتقدم بها؛ والتي هي فرصة لتقديم رأي الحكومة بشأنها. فالهدف من حضور الوزير ليس قبول مقترح القانون، ولكن لتبرير رفضه وإقناع النواب، عوض أن تقوم الحكومة بتوجيه مراسلات إلى مكتب مجلس النواب؛ وهي عبارة عن جدول يتضمن مقترحات القوانين المقبولة والمرفوضة، وذلك بعد التداول بشأنها داخل لجنة وزارية، دون إعطاء أي تعليل عن سبب رفضها. 

لكن هذا ليس غريبا، فالحكومة التي يجد أعضائها صعوبة في المواظبة على الحضور في جلسات الأسئلة الشفوية من الطبيعي أن يجدوا صعوبة أكبر في الحضور في جلسات اللجان الدائمة المخصصة لتقديم ومناقشة مقترحات القوانين.

يخضع مقترح القانون لنفس المساطر التي تمر منها مشاريع القوانين، كما أن له نفس القوة القانونية التي تحظى بها مشاريع القوانين؛ حيث إن الفصل 79 من الدستور يعطي حق التشريع لرئيس الحكومة، ويعطي نفس الحق للنائبات والنواب وأيضا. 

عادة ما يُعاب على البرلمان قلة المبادرات التشريعية، لذلك انتبه الدستور لأهمية هذا الإشكال عندما نص الفصل 10 من الدستور على أنه يضمن للمعارضة حقوقا محددة من بينها “المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لا سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان. وكذلك عندما نص على تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين ( وهو الذي لا يُحتَرم مع هذه الحكومة العجيبة). وهو التحول المهم الذي أحدثه دستور 2011 عندما نص على أن تُعقد جلسةٌ شهرية لدراسة مقترحات القوانين بما فيها تلك المقدمة من المعارضة. 

كما أن النظام الداخلي لمجلس النواب انتبه إلى ذات الإشكال عندما ضمن مقتضى يجعل مقترحات القوانين تحظى بنفس القيمة في المناقشة، حيث يمكن أن تُرجَّح على مشاريع القوانين إذا ما أودعت أولا بمكتب المجلس. الإشكال المطروح دائما هو أن الحكومات تكون لها أغلبية برلمانية لها امتداد حكومي تَحسم المبادرات التشريعية دائما بأصوات الأغلبية. 

حضور الحكومة أثناء مناقشة مقترحات القوانين ينص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب ، وفي مرحلة المناقشة العامة تُمنح الكلمة لممثل الحكومة ثم لصاحب المقترح. لذلك، 

اثناء انعقاد اللجان الدائمة ،انتقدت المعارضةُ الحكومةُ بشدة بسبب عدم حضورها لجلسات التقديم و المناقشة، كما دعت الى تغيير طريقة تعاملها مع مقترحات القوانين. فالنواب يحضرون في اللجان المخصصة للتشريع احتراما لمهامهم وعلى الوزير أيضا أن يحضر احتراما لمهامه وللنواب. 

ولهذا ايضا يواجه البرلمانيون صعوبة كما يصبون بالاحباط في تقديم مبادرات تشريعية فعالة بسبب عدم تفاعل الحكومة وعدم حضور الحكومة وبالتالي نشهد  إعاقة لمسطرة التشريع لكونه يؤدي إلى تأخير في إقرار قوانين مهمة، ويؤثر سلباً على ثقة المواطنين في العملية السياسية. وهذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بمبادئ الديمقراطية؛ لذلك نؤكد مرة أخرى بان الحكومة ملزمة بتخصيص وقت لدراسة المقترحات وفقاً للدستور. 

ويُعَد عدم حضور الحكومة تخليا من جانبها عن حق خوله لها المشرع، حين نص على أنه "يشارك أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة في جدول أعمال أحد المجلسين" (المادة 24 من القانون التنظيمي رقم 065.13). 

 ولهذا اثار رفض مقترحات القوانين من مختلف الفرق والمجموعةالنيابية،  كما عبر عن ذلك النواب،  استيائهم من عدم وضوح أسباب رفض الحكومة لمقترحات القوانين. وطالبوا الحكومة بتعاون أكبر مع البرلمان، وهو ما يجعل العمل البرلماني يصطدم برفض الحكومة لعدد من مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب أو المستشارون والتي تكون قد أحليت عليها من طرف رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، وفقا لما تفرضه ذلك مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب (المادة 183).

ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة حول عدد المقترحات التي واجهت هذا المصير، فإن المعطيات التي قدمتها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في بلاغ صادر عنها في أعقاب ختام السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحالية تعطي فكرة عن هذا الموضوع، وتبرز الضعف الكبير الذي لا تزال تواجهه المبادرة التشريعية التي يكون مصدرها البرلمان، الذي لم يصادق إلا على مقترحي قانون طيلة الفترة المذكورة من أصل 172 مقترح قانون تم تقديمه، بينما لم تحدد الحكومة موقفها إلا من 122 مقترح بينما ظل مصير 50 مقترحا معلقا.

ويتبين من حصيلة الدورات خلال السنوات التشريعية الأربع، التي مرت من عمر الولاية التشريعية، أن حصيلة مقترحات القوانين التي صادق عليها المجلس هي حصيلة هزيلة جدا وهي دون ما هو منتظر من المجلس بصفته مؤسسة تشريعية؛ ففي السنة الأولى 3 مقترحات قوانين، وفي السنة الثانية 19 وفي السنة الثالثة 3 مقترحات قوانين، وفي الدورة الأولى من السنة الرابعة 4 مقترحات قوانين. وخلال ما انصرم من الولاية التشريعية (9 دورات) تم تخصيص 9 جلسات فقط للتصويت على مقترحات القوانين؛ أي بمعدل مقترح قانون واحد في الدورة!

حاولت الأمانة العامة للحكومة في مستهل أول ولاية تشريعية في ظل الدستور الحالي تطويع بعض مقتضيات الدستور لكي تسمح لها بتكريس المبادرة التشريعية على مستوى القوانين التنظيمية كمجال محفوظ للحكومة، منطلقة في ذلك من الفصل 49 من الدستور، الذي يجعل “مشاريع القوانين التنظيمية” من المواضيع المشمولة بالمرور الإجباري على المجلس الوزاري، لكن المحاولة ووجهت بمقاومة شديدة من قبل أعضاء البرلمان، أغلبية ومعارضة، قبل أن تأتي الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بتاريخ 25 نونبر 2013 بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه، لكي تثني على المجهود المبذول من طرف أعضاء مجلسي البرلمان في مجال المبادرة التشريعية، سواء بالنسبة للقوانين التنظيمية أو العادية، وحسمت الجدل الذي أُثير.

ما يثير الانتباه أكثر في الممارسة الحكومية هو أن سبب الرفض يظل مجهولا، حيث تكتفي رسالة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان التي يتوصل بها في الموضوع كل من رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، بحسب الحالة، بالإشارة إلى أن "مقترح القانون غير مقبول" دون أن تعلل سبب هذا الرفض أو تقدم توضيحات ما بشأن موقفها هذا، حتى يتسنى لأصحاب المبادرة، على الأقل، الوقوف على تبريرات الحكومة وتقديراتها.

لقد كانت هذه الممارسة مقبولة ولها ما يسندها من الناحية الدستورية في ظل الدساتير السابقة، التي خولت لمكتب كل من مجلسي البرلمان أن يضع جدول أعماله، وتفرض في نفس الوقت أن يتضمن هذا الجدول بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة مناقشة مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة واقتراحات القوانين التي تقبلها، غير أن الفصل 82 من الدستور خول لمكتب كل مجلس من مجلسي البرلمان الصلاحية لوضع جدول أعمال يتضمن مشاريع القوانين ومقترحات القوانين بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة، لكن دون الإشارة إلى العبارة التي كانت تجعل قبول أو رفض الحكومة لمقترحات القوانين معيارا محددا في وضع جدول الأعمال المذكور. ويعطي صلاحية مطلقة للحكومة لأن تعترض على المبادرات التشريعية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، سواء اتخذت شكل مقترحات قوانين أو تعديلات على مقترحات أو مشاريع القوانين، بل حصرها في حالات محددة من بينها:

أولاـ عندما تقدر الحكومة أن مبادرة تشريعية برلمانية (مقترح قانون، مقترح تعديل) تتجاوز حدود المجالات التي تندرج في اختصاص القانون، والمحددة على سبيل الحصر في الفصل 71 من الدستور، وتشكل بالتالي اعتداء على مجال التنظيم الذي يخوله الفصل 72 من الدستور للحكومة. 

ثانياـ في الحالة التي ترى فيها الحكومة أن مقترحا أو تعديلا يمكن أن يشكل إخلالا بالتوازن المالي؛ حيث يخولها الدستور حق رفض مقترحات وتعديلات البرلمانيين، لكن الفصل 77 يشترط أن يكون ذلك الرفض مشفوعا ببيان الأسباب. 

ثالثاـ عندما ترى الحكومة أن بعض النصوص التي سبق للبرلمان أن اعتمدها خلال مختلف الولايات التشريعية تتضمن مقتضيات تنظيمية.

لذلك، فإن اعتراض الحكومة على مقترحات القوانين قبل أو بعد إحالتها على اللجان النيابية المعنية بالتداول فيها، ليس مقبولا لا دستوريا ولا سياسيا؛ لكونه يقف في وجه المبادرة البرلمانية ويعرقل عملية التشريع باعتبارها أهم وظيفة يخولها الدستور للبرلمان الذي هو مؤسسة تشريعية.

/ تاريخ النشر 2025-05-16
آخر المستجدات

جريدة المجموعة