"العدالة والتنمية" تصوت بالرفض على "المسطرة المدنية" بسبب التمييز بين المواطنين
صادق مجلس النواب، في جلسة تشريعية، عقدها يوم الثلاثاء 23 يوليوز 2024، على مشروع قانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية، وذلك بعد أن حظي بموافقة 104 نائب، في وقت عارضه 35 نائبا، من بينهم أعضاء المجموعة النيابية للعدالة والتنمية.
وأكدت هند الرطل بناني، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن تعديلات المجموعة النيابية على مشروع قانون المسطرة المدنية جاءت انسجاما مع الضمانات التي جاء بها دستور 2011، والخطب والتوجيهات الملكية السامية، وتوصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ونتاج لخلاصات وتوصيات اللقاء الدراسي للمجموعة.
وعددت بناني الرطل في مداخلة باسم المجموعة في الجلسة التشريعية نفسها، جملة ملاحظات بشأن هذا المشروع، وأولها “التمييز بين المواطنين وأشخاص القانون العام“.
وقالت المتحدثة ذاتها إن مشروع قانون المسطرة المدنية أسس نوعًا من التمييز بين المواطن من جهة وبعض أشخاص القانون العام من جهة أخرى، ذلك أن القاعدة المنصوص عليها في المادة 383 تتعارض بشكل واضح مع الفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور، التي تنص على: “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وان جميع الأشخاص، سواء كانوا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له، لذلك، يتبين أن المادة 383 من المشروع تخالف الفصل 6 من الدستور بشكل واضح وصريح.
“وثاني الملاحظات، تهم التمييز بين المواطنين“، تضيف بناني الرطل، وأضافت، وجه التمييز بين المواطنين يتجلى في كون المشروع يعتمد سقفا ماليا للسماح للمواطن بالولوج للقضاء من عدمه، من خلال المادة 30 والمادة 375 من المشروع، مما يبين ان هذه التعديلات مفتقدة للمشروعية الدستورية والخلفية الحقوقية وتقيم نوعا من التمييز بين المواطنين على أساس مالي، “تصدير دستور المملكة المغربية”.
وأردفت المتحدثة ذاتها، وثالث الملاحظات حول “الأجل المعقول”، إذ أن الفقرة الأولى من الفصل 120 من الدستور نصت على أن: “لكل شخص الحق في حكم يصدر داخل أجل معقول”، منبهة إلى أن اللجوء إلى وصف “معقول” يرمي إلى رسم الحدود بين التقدير والتحكمية… والبحث عن التوازن ما بين متطلبات السرعة واحترام باقي الضمانات المتعلقة بالمحاكمة العادلة من قبيل الولوج إلى العدالة والمساواة في بسط الأدلة والتواجهية.
“رابعا ضرب مجانية التقاضي“، تسترسل بناني الرطل، حيث نص مشروع المسطرة المدنية على عدة قواعد جديدة ستحد من حق المواطن في الولوج للعدالة؛ إما بمنعه من ذلك الولوج بالاعتماد على تحديد سقف مالي للسماح له بممارسه الطعن، أو يمنعه من حقه في الدفاع عن نفسه بالتهديد بالحكم عليه بالغرامة، ويتضح ذلك من خلال المادة 10، فهذه المادة تثير إشكالية كبيرة تتعلق بضرب دستورية حق التقاضي ومبدأ مجانيته في هذا المشروع، ومخالفة المادة للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
وشددت النائبة البرلمانية أنه لا يجوز الحد من حق اللجوء إلى القضاء من خلال فرض غرامات تتراوح بين 10,000 و20,000 درهم، خصوصًا وأن اللجوء إلى القضاء ليس مجانيًا في المغرب، كما ينص الفصل 121 من الدستور على أن “التقاضي يكون مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي”.
وأردفت، خامسا-ضرب مبدأ التقاضي على درجتين، مشددة أن ما ورد في المادة 30 يتناقض مع منطوق الفصل 118 من دستور المملكة، والذي نجد أنه يضمن للمواطنين حق التقاضي للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم التي يحميها القانون، ويضمن حق الطعن أمام الهيئات القضائية المختصة. كما أن ازدواجية درجات التقاضي وفقا لمبدأ التقاضي على درجتين تكفل استتباب الأمن القانوني، حيث أن الاستئناف الذي يعيد النظر في الدعوى يجعل الحقوق محصنة من أي عيوب قد تصيب حكم المحكمة الأدنى درجة، سواء كان ذلك بسبب فهم خاطئ أو فساد التعليل أو سوء التقدير أو بسبب عدم تقديم الأدلة والوسائل الإثباتية إلا على درجة الاستئناف.
لذلك، تتابع بناني الرطل، “فإن هذه المادة تعد مسا بروح العدالة وتتناقض مع المقتضيات الدستورية الضامنة للاطمئنان وقدسية العدالة والأمن القانوني. كذلك ما ورد في المشروع (المادة 375) من عدم إمكانية الطعن بالنقض إذا لم يتجاوز المبلغ موضوع الطلب 100,000 درهم مما يتعارض مع روح الإنصاف ورفع الحيف، لن يتحقق ذلك إلا باتباع جميع طرق الطعن المنصوص عليها قانونا، بما في ذلك الطعن بالنقض”.
وأما الملاحظة السادسة فهي ضرب حق الولوج الى العدالة، مشيرة في هذا الصدد إلى المادة 62 من المشروع وما بها من افراط في الغرامات، مبرزة أن هذه الغرامات تجعل المشروع الحالي في تناقض صارخ بين شعار مبدأ مجانية التقاضي، والقيود المالية التي تفرض أثناء اللجوء اليه والغرامات المحتملة في حالة الحكم بنتيجة سلبية لصالح الطالب أو الطاعن.
وقالت إن غرامات مشروع القانون بهذا الشكل تساءل دستورية حق التقاضي ومبدأ مجانيته، وكيف يتحول الافراط من فرض الغرامات الى عقاب ضمني وغير شرعي، لأنه يتم دون ارتكاب لأية مخالفة جنائية وغير منصوص عليها في القانون، بل لمجرد ممارسة حق التقاضي الأساسي الدستوري.
وأما الملاحظة السابعة فتتعلق بضرب حق الدفاع، بسبب ما ورد في المواد 27، 76، 78، 127، 395 من المشروع، هذا الحق الذي أقرته الفقرة الاخيرة من الفصل 120 من الدستور، والذي تنطوي عليه حقوق أخرى من قبيل: الاطلاع على جميع وثائق القضية، وضمان مساواة الاطراف امام المحكمة، والمادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وسجلت المجموعة النيابية استغرابها لهذه السرعة ولهذه العجلة في مناقشة المشروع، ذلك لأن وزارة العدل مرتبطة بمجموعة من الالتزامات لن يتم الوفاء بها بعد، بحيث أنها لم تحسم بعد في العديد من القضايا التنظيمية ذات الصلة بالمشروع من قبيل عدم استكمال وتجهيز المحاكم المعلن عن إحداثها وفق الخريطة القضائية الجديدة طبقا للمرسوم 2.23.665.
واسترسلت، وكذا “تأخر الوزارة في تنزيل مقتضيات المادة 22 من قانون التنظيم القضائي للمملكة رقم 15.38، والمتعلق بتحديد هيئة المحاكم بنص تنظيمي رغم مرور قرابة السنتين من صدوره، وانعكاس ذلك على تحديد المسؤوليات داخل إطار هيئة كتابة الضبط بكل من الرئاسة وكتابة النيابة العامة”.
وأضافت بناني الرطل، فضلا عن التخوف الذي نعتبره مشروعا من قبل المتقاضين ومساعدي القضاء من طول فترة المرحلة الانتقالية في حالة تنزيل المشروع دون استكمال الأنشطة والبرامج الموازية معلوماتيا، ولوجستيكيا، وبذلك سوف نعيش حالة ارتباك كبيرة على مستوى الإجراءات داخل المحكمة، وخير دليل على ذلك، الوضعية التي يعرفها مسار تعديل وتنزيل القانون التنظيمي الجديد للحالة المدنية الذي زج بالمواطن في دوامة، وجعله في حيرة من أمره بين مصالح الحالة المدنية والنيابات العامة خاصة على مستوى إصلاح الأخطاء المادية.
وتابعت، فضلا عن “الصعوبات المتوقعة على مستوى عدم جاهزية هيئة الدفاع ومحاميها في التفعيل الأمثل للإجراءات الجديدة”، و”عدم وضوح الرؤيا بخصوص البرامج التكوينية التي ستسهر عليها الوزارة لتنزيل المشروع خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التغيير الشامل على مستوى المنظومة التكوينية للوزارة بعد الاستقلال المؤسساتي للمعهد العالي”.